• 09 جوان 2021 17:22

    حوار خاص لموقع ”المفكرة القانونية“.. الأستاذ راشد الغنوشي يتحدّث عن تصوّره للعدالة الانتقالية

    تبدو العدالة الانتقالية في تونس مقبلة على تطوّرات هامّة في المستقبل القريب، نظراً للاستحقاقات التي فرضها انتهاء عمل هيئة الحقيقة والكرامة، وبفعل...

    بقية الخبر Lire suite

    تبدو العدالة الانتقالية في تونس مقبلة على تطوّرات هامّة في المستقبل القريب، نظراً للاستحقاقات التي فرضها انتهاء عمل هيئة الحقيقة والكرامة، وبفعل زيادة حدّة الخلاف المجتمعي بشأنها. في إطار هذا السياق المتحرّك، رأت “المفكرة القانونية” ضرورة الاستماع إلى رئيس مجلس نوّاب الشعب راشد الغنوشي بصفته هذه ولكن أيضاً بوصفه زعيم حركة النهضة الذي ينتمي له الجانب الأكبر من ضحايا حقبة الديكتاتورية. فكان هذا الحوار الذي نقدّر أنّه هامّ فيما كُشف فيه من مواقف، بخاصّة ما يتعلّق منها بعمل الدوائر المتخصّصة للعدالة الانتقالية والمحاكمات التي تتم اليوم وفقها، علاوة على ما ذكر من تفاصيل لم تكن معلومة سابقاً عن مشروعه للمصالحة الشاملة. وقد دعا الغنوشي من خلال هذا التصوّر لإعادة التفكير في إحدى ركائز مسار العدالة الانتقالية في تونس لجهة محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان بالنظر إلى ضرورات إنجاز المصالحة لبناء المستقبل من دون المسّ بالحقيقة وحقوق الضحايا بجبر الضرر. كما يلحظ أن الغنوشي لم يضعْ صراحة “ضرورة إصلاح المؤسسات” منعا لتكرار الماضي ضمن ركائز تصوّره الجديد وإن أكّد تأييده لما تحقق بشأن تعزيز استقلالية القضاء.

    أمر آخر لا بد من الإشارة إليه: أن الحوار بقي على مستوى إعلان التصور بعمومياته، بحيث تجنّب الغنوشي الغوص في تفاصيله وكيفية تطبيقه على أرض الواقع أو ما يفترضه من آليات، مكتفيا بالقول أن عدداً من “المتخصصين في القانون والمهتمين في العدالة الانتقالية” يعملون على بلورته وأن ثمة ضرورة أن “نبني على القائم”. تبعاً لذلك، لم يكشفْ محدّثنا عن أيّ موقف تفصيلي من توصيات هيئة الحقيقة والكرامة أو مطالب منظمات المجتمع المدني أو حتى الآليات الواجبة لتمكين الضحايا من تعويضات مستحقة، بما يتماشى مع مالية الدولة.

    نضع هذا الحوار في متناول قرائنا وبخاصة المهتمين بالعدالة الانتقالية، فاتحين صفحاتنا لمناقشته.

    المفكرة: كيف تقيّم وأنت من المهتمّين بالعدالة الانتقالية والمعنيين بها مخرجات عمل هيئة الحقيقة والكرامة وتجربة العدالة الانتقالية التي مثلتها؟

    راشد الغنوشي: في تقديري، مخرجات التجربة متواضعة وهذا أقلّ ما يمكن أن يقال فيها. فلا الضحايا تمّ إنصافهم ولا المنسوب لهم الانتهاك تمّت محاسبتهم. كل ما تحقّق في الواقع هو نوع من إعادة كتابة التاريخ من خلال الاستماع إلى الضحايا وإقرار حقّهم في التعويض بموجب مقرّرات جبر ضرر لم تنفّذ. هذا العمل وإن كان ناقصاً إلّا أنّه هامّ. اليوم الضحايا يرتحلون عن هذه الحياة حاملين حسراتهم وتاركين وراءهم أولاداً وأحفاداً محطّمين اجتماعياً. فمعظم أبناء المساجين حرموا من حق الدراسة في ظروف عادية تمكّنهم من النجاح وبعضهم يعيش، جرّاء ما تعرّض له من ضغط حتّى الآن، ظروفاً صعبة مادياً ومعنوياً.

    المفكرة: هل يعني هذا أنّ السرديّة التاريخيّة الجديدة القائمة على خطاب الضحايا يصلح أن نعتبرها الحقيقة؟ هناك من يرفض هذا الرأي ويرى أنّ الأمر لا يتعدّى صياغة جديدة لسردية من بعدٍ واحد كتبها -كما كان الأمر دوماً- المنتصرون، أي من كانوا ضحايا قبل ذلك وقد اعتبروا أنفسهم فيها جميعاً ديمقراطيين ووطنيين وهي صفات نزعوها عن غيرهم.

    الغنوشي: صحيح هذه السردية كتبها الضحايا.. هذا مطعن صحيح ويضعف فعلاً العمل. لكن على كل حال، هناك فرق بين ما مضى من سرديات والسردية الجديدة. السردية الجديدة كتبت في عهد الحرية ويمكن الاعتراض عليها وهذا ما يميّزها. تقرير هيئة الحقيقة والكرامة كتبه ضحايا ينتمون لاتجاهات سياسية مختلفة وما كتبوا نصّاً يمكن أن يُناقش ويحقّ لأيّ كان أن يرفضه أو يبدي رأياً مخالفاً له. احترام الحقّ في الاختلاف وفي التعدّد لم يكن ممكناً قبلاً وقد تحقّق الآن وهذا جيّد. ربّما كان من المهمّ هنا أن نتبيّن أنّ عمل الهيئة تمّ في فترة حكم أحد رجالات النظام القديم أي الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي الذي كان يعارض عملها. وهذا دليل على أنّه لم يكن خطاباً سلطوياً بقدر ما كان تعبيراً عن رأي الضحايا والحقيقة كما عاشوها.

    المفكرة: ليس الباجي فقط من يُتّهم بمعارضة هيئة الحقيقة والكرامة ومسار العدالة الانتقالية الذي أنجزته. أنت أيضاً تُتّهم بكونك لم تكن متحمّساً لعملها وربما باتخاذ مواقف معارضة لها؟

    الغنوشي: أنا لم أكن موافقاً على المنهج الذي اعتمد في إطار العدالة الانتقالية. كان تصوّري يقوم على أربعة أمور: أوّلاً، أنّه يجب الاكتفاء بالكشف عن الحقيقة حتى لا تتكرّر المآسي من خلال البحث عمّا حصل وكيف حصل ذلك؛ وثانياً، دعوة المنسوب لهم الانتهاكات الجسيمة للاعتذار؛ وثالثاً، حثّ الضحايا على العفو؛ ورابعاً، أن تتولّى الدولة إعادة الاعتبار للضحايا مادياً ومعنوياً لكونها مسؤولة عمّا لحقهم من ضرر. كما كنت ولا زلت أعتقد أنّ أسلوب العقاب الذي انتهج حتّى الآن لم يحقّق شيئاً سوى جرّ الضحايا من محكمة إلى أخرى. لم يستفدْ الضحايا من ذلك. والأخطر من كلّ هذا أنّ الدوائر المتخصّصة في العدالة الانتقالية لا تحترم قواعد المحاكمة العادلة لعدم قابلية أحكامها للاستئناف ولكون من يتّهمون أمامها حوكموا لأجل الفعلة نفسها أكثر من مرة.

    كان المطلوب معالجة أفضل للملف تنتهي بتجاوز ما يطرح من استحقاقات. لن تستفيد الضحية بشيء من موت شرطي في السجن… العدالة الانتقالية بتونس انطلقت في ظلّ مناخ سياسي معيّن مساند لها. وقبل نهاية عهدتها، تغيّر المزاج العامّ فصارت خارج السياق وبدتْ كأنّها تحاول أن تحاكم الحاكمين. مثال على ذلك، أنّ الرئيس باجي قايد السبسي المنتخب ديمقراطياً أصبح متّهما فيها. وهو ما طرح السؤال “من يحاكم من؟”. ولولا انسحابنا من السلطة في سنة 2013، لكنّا ربّما نحن من يُحاكم الآن. هذه المحاكمات زائدة وغير مجدية لأنها لم تكشف الحقيقة ولم تنصف الضحايا.

    المفكرة: هل اعتراضك على التصوّر التونسي كما يسمّى للعدالة الانتقالية كان سببه المنهجية المعتمدة في صياغة تصوّرات مساراته وبالتالي هو اعتراض مبدئي أم أنّه اعتراض سياسي نتج عن استخلاص الدرس من أثر تغيُّر المزاج السياسي والانتخابي على الموقف العامّ من هذا الاستحقاق؟

    الغنوشي: موقفي مبدئي وكان منذ البداية وأكّدَته تالياً الوقائع التي كشفت صحّته. لقد عبّرت عن موقفي هذا بوضوح من البداية. أذكّركم هنا أنّي ولمّا كان مسؤولو النظام السابق موقوفين، استقبلت أسرهم في منزلي. كما استقبلت بعد الإفراج عنهم عدداً منهم. أنا لا يعجبني التشفّي والانتقام. ولمّا فتحت منزلي لتلك اللقاءات التي كانت معلنة، بيّنت رفضي لكلّ أشكال التشفّي واجترار الأحقاد.

    المفكرة: هل يعني هذا أنّك تعاطفت مع من ينسب لهم الانتهاك وشعرت بكونهم ضحايا للنظام الجديد الذي أنت جزء منه؟

    الغنوشي: فيما يتعلّق بشعوري، أنا بكلّ بساطة شعرتُ أنّنا نتوارث الأحقاد وهذا لا ينفع المجتمعات. صحيح نحن ضحايا ولكن لا نريد أن نورث أحقاداً جديدة. في الحقيقة، أنا عارضت كثيراً من الإجراءات ومنها قانون المصادرة. كان من الممكن التعاطي مع قضايا الفساد الماليّ بأسلوب آخر، منه ترك الأموال لأصحابها وتحميلهم مسؤولية دفع تعويضات عمّا سبق من خطأ منهم. مصادرة شركات ومؤسسات كانت سابقاً تنتج وتشغّل لم تنتفع منه المجموعة الوطنية وتحوّل إلى ملف فساد كبير ودليل فشل في الإدارة. يكفي أن نعرف هنا أنّ مؤسّسة كـ”إسمنت قرطاج” كانت قيمتها السوقية يوم صودرت ملياراً ومائتي مليون دينار. وقد أصبحت اليوم جزءاً من القطاع المفلس وعاجزة عن توفير أجور أعوانها وقيمتها لا تتعدّى مائتي مليون دينار. لو أبقيت تلك المؤسسة وغيرها لدى أصحابها وفُرضت على هؤلاء شروطٌ وإجراءات تحقّق جبر ما تسبّبوا فيه من ضرر كانت الجدوى ستكون أكبر.

    المفكرة: ما تقييمك للتعاطي الرسمي مع حقوق الضحايا؟ وهل لديك تصوّرات لحلول ممكنة لهذا الملف الذي يبدو أنّ المالية العمومية كانت أحد أسباب تعثّر مساره زيادة طبعاً عن غياب الإرادة والتصوّر؟

    الغنوشي: هناك حالياً أزمة أخلاقيّة تجاه المناضلين الذي أمضوا شبابهم في السجون والمطاردة والملاحقة والمنافي وعانوا الإقصاء الاجتماعي وغيرها من المظالم. بعد انكسار الطغيان، لم يَعترف قطاع من النخبة التونسية بحقوق هؤلاء من منطلق إيدولوجي وحساسيات سياسية. لقد أنكر هؤلاء، وكانوا مؤثّرين، حقوقهم وحقّروا دورهم في تحقيق الثورة والانتصار لها. لا بدّ من حلّ لهذه المظلمة المستمرّة، يكون منطلقه الاعتراف بحقوق الضحايا معنوياً أساساً ومادياً حسب الممكن. يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: “إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ”. من لا نقدر على تعويضه مالياً، نكرّمه بخطوات فيها ردّ اعتبار له واعتراف بتضحياته. ربّما تكون تلك الأمور الرمزية مهمّة جدّاً لهم ولأسرهم. لا بدّ أن نقبل بتونس متعددة ولا ننكر إسهام أيّ طرف في بنائها. القطيعة فكرة خطرة تجعلنا كما لو كنّا في جهنم: “كلّما دخلت أمّة لعنت أختها”. لا يجب أن يسود هذا المنطق في كتابة تاريخ وطننا. من واجبنا أن نسجّل لدولة الاستقلال ورجالاتها إنجازاتهم وأن نعترف للمناضلين ضدّ الاستبداد بفضلهم وبحقوقهم. فلولاهم، لاستمرّت المحاكمات السياسية الجائرة التي لا تخلو منها فيما مضى أي سنة من السنوات.

    المفكرة: بمناسبة حديثك عن المحاكمات السياسية ما تقييمك للقضاء؟ وما ردّك على الاتّهام الذي يوجّه لحزبك أي حركة النهضة بالتدخّل فيه وبجرّه لإعادة استيلاد المحاكمات السياسية؟

    الغنوشي: قبل الثورة، كان دور القضاء يقتصر على التصديق على عمليات التصفية السياسية. وفي سجوننا ومنافينا، لم نكن نرى عدالة القضاء إلّا في أمثلة قليلة أهمّها القاضي المرحوم مختار اليحياوي. بعد الثورة وعلاوة على الإصلاحات المؤسّساتية الهامّة التي عرفها القضاء، يجب أن ننتبه إلى أنّ ضعف الحكومات منع ما كان يمكن أن يكون من إعادة إنتاج سيطرة السلطة التنفيذية على القضاء. وبذلك، إن كان من فضل لعدم الاستقرار السياسي، فهو أنّه قاد إلى تعزيز استقلالية القضاء. ونحن مع هذه الاستقلالية ونرفض أي مسّ بها. وما يتمّ الحديث عنه من اتّهامات ليس إلّا من قبيل المناكفات السياسية التي يجب أن نتجاوزها. يجب أن نتصالح فيما بيننا ونقبل ببعضنا ولن يتحقق هذا إلّا بقراءة نقدية للمواقف والتاريخ.

    المفكرة: هل تقبل أن تشمل مثل تلك القراءة تاريخ حركتكم؟ فالبعض يتّهمكم كما يتّهم غيركم من معارضي النظام السابق بالتلبّس بدور الضحية والتغطية عمّا قد يكون لكم من دور في العنف السياسي؟

    الغنوشي: نحن مع قراءة موضوعية ومنصفة للتاريخ تكون مؤسّسة وتقطع مع الثنائيات السائدة والتي تقسم المجتمع إلى وطنيين وخونة وديمقراطيين وإخوانجية.

    المفكرة: أنتم تقدّرون وكما جاء فيما سبق من قولكم إنّ تجربة العدالة الانتقالية لم تحقّق المطلوب منها بشكل مرضٍ. هل ما يتمّ الحديث عنه من مشروع بديل يقال إنّكم ستطرحونه كمبادرة ويسمّى المصالحة الشاملة سيكون كفيلاً بتجاوز ذلك. وما هي خصائص هذا المشروع؟ وهل سيكون في حال اعتماده بداية جديدة تقطع مع ما مضى؟

    الغنوشي: لا أحبّذ فكرة القطيعة. يجب أن نبني دائماً على القائم. فنصحّح ما كان فيه من خطأ ونتجاوز ما كان به من نقيصة ونبني على ما يمثل من إيجابيات. ففي العمل على العدالة الانتقالية كثيرٌ من الإيجابيات والمكاسب التي يجب أن نحافظ عليها وندافع عنها، ومنها ما تمّ الكشف عنه من حقائق وما تمّ إقراره من حقوق للضحايا في موازاة ذلك. إلّا أنّنا نرى بالمقابل أنّ ما كشف عنه من حقائق يبقى محدوداً ونحن بحاجةٍ لمصالحة تضمن طيّ صفحة الماضي. وعليه، المطلوب اليوم المصالحة الشاملة والتي تقوم في نظري على ثلاث ركائز هي: أوّلاً كشف الحقيقة وثانياً إنصاف الضحايا وثالثاً العفو. حالياً، هناك مختصّين في القانون ومهتمّين بملف العدالة الانتقالية يعملون على بلورة هذه الأفكار ويتدارسونها. وسنتقدّم به كمبادرة متى تمّت صياغتها وحصل توافق حولها. ومن المهمّ أن أؤكّد على أنّه لن تكون في هذه المبادرة وكما أسلفت قطيعة مع ما سبق. لكن سيكون فيها حتماً إصلاح وتطوير وتكامل بين المشاريع، بما يخدم هذه القضية العادلة وينهي ما كان من سير في طريق لا يخلّف إلا الضغائن.

  • 24 مارس 2021 10:24

    كلمة الأستاذ راشد الغنوشي في الندوة السياسية لشباب حركة النهضة بمناسبة الذكرى 65 للاستقلال

    درس الحركة الوطنية: الاستقلال مثل الإيمان يزيد وينقص بقدر تحرّرنا وكدحنا في سبيل تعزيزه. أهنّئ منتدى شباب حركة النهضة واهتمامه بتاريخ الحركة...

    بقية الخبر Lire suite

    درس الحركة الوطنية: الاستقلال مثل الإيمان يزيد وينقص بقدر تحرّرنا وكدحنا في سبيل تعزيزه.

    أهنّئ منتدى شباب حركة النهضة واهتمامه بتاريخ الحركة الوطنية سبيلا إلى الاعتبار. كما نترحم على شهداء الحركة الوطنية منذ فرحات حشاد وما قبل حشاد وما بعده. منذ الدغباجي الذي استشهد على يد الجيش الفرنسي في القرن 19 وسلسلة من الشهداء ومن المجاهدين الذين رفعوا عن تونس هذا الكابوس وهذا الضيم وجعلوا من الاستقلال أمرا واقعا. ما كان ذلك ليحدث لولا توفر جملة من الشروط جعلت الاستقلال ممكنا.

    يتساءل البعض اليوم عن الاستقلال، هل تمّ أم لم يتم؟ بالتأكيد تونس دولة مستقلة، غير أنّ الاستقلال مثل الإيمان، يزيد وينقص. وكذلك الاستقلال، يزيد بقدر ما نتحرّر ونبني اقتصادا مستقرا وقويّا، وبقدر ما نؤكد هويتنا التونسية العربية الإسلامية، وبقدر ما يكون قرارنا مستقلا. وذلك ما يجعلنا نكدح في طريق الاستقلال حتى نعزّزه باستمرار.

    فتونس دولة مستقلة، ولكن ينبغي أن نناضل ونجاهد من أجل أن نعطي لاستقلالها مضمونا ثقافيا واقتصاديا وسياسيا، أمّا بالنسبة إلى الاستقلال المطلق، فلا توجد دولة مستقلة في المطلق في العالم، لأنّ كل الدول يحتاج بعضها بعضا. وهناك باستمرار يد عليا ويد سفلى. ونحن نريد لبلادنا ولدولتنا أن تكون اليد العليا وليست اليد السفلى.

    الاحتلال لم يأت صدفة، وإنّما أتى بتغيّر موازين القوى بين الغرب والشرق، بين جنوب المتوسط وشماله. فالغرب لأسباب كثيرة علمية واقتصادية ولتحوّلات دولية. فبقدر ما قوي الجانب المقابل، ضعف جانبنا، فتفشى الفساد في نظام البايات، وفسدت الإدارة فسادا عظيما. ولذلك لم يكن عجبا أنّ سنة 1964، أي قبل 20 سنة من استعمار تونس، شهدت البلاد أعظم ثورة في تاريخها، ثورة علي بن غذاهم. وكانت ثورة ضدّ فساد البايات وفساد الإدارة وضدّ الهيمنة الأجنبية، فقد كانت هناك بداية هيمنة أجنبية لأنّ فرنسا، قبل استعمار تونس رسميا، تسرّبت إلى اقتصادنا كما تسربت دول أخرى مثل إيطاليا لوضع يدها على الاقتصاد التونسي بتواطؤ من البايات.

    كما وقع الاحتلال بعد أن أجهضت الحركة الإصلاحية التي قادها عدد من الإداريين مثل خير الدين والجنرال حسين الذين كانوا يشعرون بأنّ موازين القوى تغيرت لصالح الغرب، وأنّ علينا أن نصلح أحوالنا وأن نطور اقتصادنا وتعليمنا ونصلح أوضاع النساء.

    ولذلك نشأت في القرن التاسع عشر عدة حركات إصلاحية جمعت بين خريجي المعاهد الحديثة كالصادقية وبين خريجي جامع الزيتونة. وهذا درس مهمّ مضمونه أنّ أيّ تغيير حقيقي يحتاج إلى رأي عام ووحدة وطنية ويحتاج إلى جماعة تنهض به وتقوده. ولذلك كانت هناك حركة إصلاحية، ربّما لو نجحت لجنّبت تونس الاستعمار.

    ولذلك كان هناك رهان وعملية تحديث يقودها جامع الزيتونة وتقودها المدارس الحديثة، كالصادقية، ويقودها الوزير الأول خير الدين، ولكن كان هناك رهان أجنبي ورهان من الباي على إفشال هذه الحركة التي أنتجت الدعوة إلى سنّ دستور تونسي ومنع الرق وإنشاء برلمان.

    وهذه أحداث يعتزّ بها التونسيون، باعتبارها أحداث مبكرة في العالم الإسلامي، لأنّ تونس كانت باستمرار تقود الطريق وتشير إلى المستقبل، وأعطت إشارة واضحة إلى أنّ حياة المسلمين الذين وصفهم الله بأنّهم "خير أمّة أخرجت للناس"، ليسوا كذلك في ذلك الوقت، وأنّه ينبغي أن نطوّر حياتنا وينبغي أن لا نتردّد في الاستفادة من كل حضارة، ومن كل دين، ومن كلّ مذهب، فكل ما هو نافع لنا ينبغي أن نقتبسه، بلغة خير الدين التونسي.

    وكتاب "أقوم المسالك في أحوال الممالك" لخير الدين التونسي، كان وثيقة مهمّة جدّا، وكان معلم طريق للعالم الإسلامي. وقد أوشكت تونس، يومئذ، أن تنجو من الاستعمار بفكرة الإصلاح ومشاريعه، لولا فساد الحاكم وتغيّر موازين القوّة.

    كانت فكرة البرلمان وفكرة الدستور، جذر الحركة الوطنية. ففكرة أن يكون الحاكم خاضعا للقانون، باعتبار الحكام في ذلك الوقت وفي كل الدكتاتوريات يحكمون حكما مطلقا، بيّنت أنّ المصلحين وضعوا أيديهم على الداء الذي هو الحكم المطلق، وعدم خضوع الدولة والحاكم للقانون. فلا عجب إذن بعد أن وقع الاحتلال، أنّ إحياء تراث الإصلاح كانت فيه فكرة أصليّة هي فكرة الدستور. ففي بداية القرن العشرين كانت هناك حركة شباب تونسي جمعت بين الزيتونيين مثل عبد العزيز الثعالبي من جهة وبين محمد علي باش حانبة وشقيقة علي باش حانبة. فالتونسيون أحيوا شيئا موجودا في تاريخهم، هي فكرة الدستور التي أجهضها الاستعمار، ولكنّ الحركة الإصلاحية بعد الاستعمار أحيت فكرة الدستور. ولذلك لا عجب أنّ أوّل حزب نشأ في تونس حمل اسم "الدستور"، وهو الحزب الحر الدستوري التونسي بقيادة الزعيم عبد العزيز الثعالبي. وقد كانت حركة شباب.

    كما نشأت في العشرينات الحركة النقابية بزعامة محمد علي الحامي، وهذا بعد آخر في الحركة الوطنية، بُعدٌ الأول وهو بُعد الحرية، وتجسدها فكرة البرلمان التونسي. فالذين خرجوا في أفريل 1938 تحت الرصاص كانوا يطالبون ببرلمان تونسي، وللأسف اليوم هناك من يطالب بحل البرلمان التونسي، ولكن لا سبيل إلى حلّ البرلمان إلاّ في حالة وحيدة وهي فشله في تزكية الحكومة، هذه هي الصورة الوحيدة والباقي دكتاتورية.

    ولذلك، هذا الشعب الذي بذل الدم من أجل برلمان تونسي مجسدا لفكرة الحرية، لن يتحكم فيه اليوم، بعد أن أصبح عنده برلمان منتخب، زيد أو عمرو.

    إنّ فكرة الدستور وفكرة البرلمان وفكرة الحرية، هي أصيلة في مشروع الاستقلال والدولة التونسية وفغي الثقافة السياسية التونسية.

    الفكرة الأخرى في الثقافة السياسية التي قادت إلى الاستقلال، هي فكرة التنمية والعدالة والمساواة، ولذلك ولدت في العشرينات من القرن الماضي مؤسستان، الحزب الحر الدستوري التونسي بقيادة الثعالبي بمشروع أساسي وهو بعث المشروع الإصلاحي للقرن التاسع عشر، برلمان تونسي ودستور للحد من تغول الحكام.

    والفكرة الثانية هي جامعة عموم العملة التونسيين بقيادة محمد علي الحامي ومع الطاهر الحداد وهي الفكرة الاجتماعية. فمشروع الحركة الوطنية، هو مشروع حرية ومشروع تنمية وعدالة. وقد يمكن أن تكون النقابة التي أسسها محمد علي فرعا من النقابة الفرنسية CGT الاشتراكية. ولكن لأنّ فكرة الاستقلال في الحركة الوطنية لم يكن فيها مجرد برلمان فقط، أو نقابة، وإنّما كان فيها استقلال. ولذلك رفض محمد علي أن ينضوي تحت المنظمة النقابية الاشتراكية الفرنسية، وأصرّ على تأسيس منظمة نقابية وطنية تونسية.

    ولذلك نستطيع أن نقول باختصار، إنّ الحركة الوطنية التونسية قامت على فكرة العدالة وفكرة الحرية، يمكن تسميتها "ديمقراطية اجتماعية" هذا جوهر المشروع التونسي، إضافة إلى فكرة الهوية. فعندما نتابع خطب محمد علي الحامي نجد أنّه كان كثير الاستشهاد بالقرآن الكريم لأنّه القناة التي تجعل الأفكار تدخل قلب المسلم، فكان يستشهد بالقرآن وهو في المتلوي لإقناع التونسيين بهويتهم المستقلة ليفخروا بهويتهم وانتمائهم العربي والإسلامي والتونسية.

    كان هذا المثلث هو الأساس في مشروع الاستقلال، وتمكن رجال الحركة الوطنية بقيادة الثعالبي وبقيادة الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف وفرحات حشاد... تمكنوا من جمع التونسيين حول هذا المثلث القيمي (الحرية والعدالة الاجتماعية والهوية التونسية بأساسيها العربية والإسلام).

    وقد قامت دولة الاستقلال لتجسّد هذه المعاني، فكان لها حظ غير قليل من التوفيق وكان لها حظ غير قليل من الإخفاق ككل حركة بشرية. ونحن عندما نحكم الآن على التاريخ ينبغي أن نضع أنفسنا في السياق الذي تمت فيه الأحداث.

    ففكرة الديمقراطية لم تحققها دولة الاستقلال، وكان ذلك سببا أساسيا من أسباب الثورة. وفكرة العدالة الاجتماعية لم تتحقق بالقدر الكافي، وكان ذلك سببا من أسباب الثورة. فالثورة التونسية هي محاولة لاستدراك ما فاد دولة الاستقلال تحقيقه، فالثورة ليست قطيعة، هي استدراك لما لم يتحقق.

    لقد حققت دولة الاستقلال من المشروع الاجتماعي أمرا عظيما، بنشر التعليم ونشر الصحة، وهي مكاسب مهمّة. ويضاف إلى ذلك تمصير الأمصار، أي نقل جزء كبير من المجتمع التونسي من حالة البداوة والريف المتنقل إلى حالة الاستقرار لأنّه لا إنتاج حضارة دون استقرار. ولذلك نستطيع أن نقول بشكل واضح إنّ دولة الاستقلال كان لها إنجازات نفتخر بها ونعتز بها ونحافظ عليها، وكانت لها إخفاقات أزّمت الأوضاع وجعلت من تاريخ الاستقلال تاريخ محاكمات من وجهة سلبية، فمن داخل الحزب حوكم اليوسفيون والمنتمون إلى الحزب الدستوري القديم، وحوكم اليساريون والنقابيون، ولما جاء دور الإسلاميين نالوا اكثر من غيرهم.

    حالت دولة الاستقلال أن تتطور نحو الديمقراطية، فسنة 1981 عندما تأزمت الأوضاع، كانت هناك محاولة للانفتاح، فأعلن الرئيس بورقيبة، رحمه الله، أنّه لا يمانع من تكوين جمعيات سياسية. ولكن مجرد أن اختبر الإسلاميون هذا الإعلان فقدموا مطلبا، فكان الجواب سلسلة من المحاكمات بدأت في 1981 ولم تنته إلاّ بقيام الثورة. ولو اعترف بالإسلاميين سنة 1981 وبأحزاب أخرى، عندما كانت تونس مؤهلة أن تكون دولة ديمقراطية، ربّما ما كنّا محتاجين أن نذهب في طريق الثورة، ولذهبنا في طريق الإصلاح. ذلك أنّ الثورة هي علاج بالجراحة ما كنا محتاجين له، لو أنّ بورقيبة ومن معه كانوا صادقين في اعترافهم بالتعددية. ما كنّا محتاجين لانتفاضة 1978 لو كان هناك مشروع تنموي متوازن بين المناطق الساحلية والمناطق الداخلية. ولهذا قامت الثورة من مناطق العمق التونسي كما حصل في ثورة 1964، ثورة الأعماق على المدن، ما كنّا محتاجين لثورة 1978 و1984، لو كنّا أوفياء لمشروع حشاد ومشروع محمد علي، لمشروع العدالة الاجتماعية. وما كنّا محتاجين لنوع من الازدواجية الثقافية التي نعيشها اليوم، لو أن مشروع التعريب أخذ حظه بالكامل.

    مطلوب اليوم أن نستدرك ما فات وأن نؤكّد دور الشباب، لأنّ الحركة الوطنية هي عمل شبابي اجتمع فيه شباب التعليم الزيتوني والتعليم الحديث. وكل تغيير يحتاج إلى عُصبة، إلى جماعة، وإلى صفّ واحد.

    ونحن اليوم، إذ نعيش مرحلة من مراحل الانتقال الديمقراطي نحتاج إلى الحوار وإلى رأي عام موحد وإلى مشروع وطني يجمع بين كل الاتجاهات حتى نتكلم بلغة مشتركة وتكون لها أهداف مشتركة تجمع صفّنا بديلا عمّا هو واقع اليوم، وهو عملية تجذير القطيعة بين كل التيارات والاصطفاف والتجاذبات الشديدة والخطاب الذي يوحي بأنّنا نتجّه إلى حرب، وقد وصل الحد أنّ السلطة نفسها لم تبق موحّدة.

    نحن دول تونسية ينبغي أن تكون لنا فيها أهداف مشتركة. ودرس الاستقلال أنّه إذا أردنا لتونس أن يكون لها مستقبل كما لها ماض، ينبغي أن نبحث عمّا يجمع لا عمّا هو يفرّق.

    وفي عملية الحساب تعلمنا، ونحن أطفال، أنّ هناك أربع عملية، الجمع والطرح والضرب والقسمة. وكثير من السياسيين اليوم يستخدمون ثلاث عمليات، ويتركون الرابعة. يستخدمون الضرب، ضرب هذا بذاك، وعملية القسمة، "نحن وهم"، وعملية الطرح: هذا غير وطني وهذا غير مخلص وهذا غير مدني وهذا إرهابي.

    لكنّ العملية الأفضل في السياسة هي الجمع، كيف نجمع الناس. وفي القرآن "هو الذي ألف بين قلوبهم، لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم، ولكنّ الله ألف بينهم". كيف نجمع الناس، كيف نضع أهدافا مشتركة.. ينبغي أن يكون مثال الباخرة هو المثال المسيطر، أنّ تونس باخرة تحمل جميع أبناء تونس وبناتها، ونبحث داخل هذه الباخرة عن معادلة التعايش، عن المواطنة بأهداف مشتركة وعدوّ مشترك.

    صحيح أنّ ما يفرّقنا كثير، ولكنّ ما يجمعنا أكثر. وهذا في تقديري درس الحركة الوطنية.

  • 05 مارس 2021 11:49

    ملخص حوار الأستاذ راشد الغنوشي لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية

    قال الأستاذ راشد الغنوشي في تصريحات لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إنّ الهدف من المسيرة التي نظمتها حركة النهضة يوم 27 فيفري الماضي كان هدفها أن تكون...

    بقية الخبر Lire suite

    قال الأستاذ راشد الغنوشي في تصريحات لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إنّ الهدف من المسيرة التي نظمتها حركة النهضة يوم 27 فيفري الماضي كان هدفها أن تكون: "رسالة مفادها أن الثورة ما زالت موجودة وقوية وفاعلة، وحتى يعرف الجميع حجمها".

    وأجرت الصحفية الأمريكية كلار باركر الحوار مع الأستاذ الغنوشي في منزله بعد يوم من المسيرة. واعتبرت في تقييمها لتصريحات الغنوشي أنّ "رئيس الحزب الإسلامي الرئيسي في تونس ورئيس البرلمان، أراد أن يوضح أن حزبًا ديمقراطيًا اجتماعيًا ذا مرجعية إسلامية لا يزال رائدا في تونس والعالم العربي".

    وشدّد الغنوشي على أن حركة النهضة تقدم نموذجًا في المنطقة، وقد بادرت إلى تنازلات من أجل الديمقراطية التونسية، وقال: "لقد اقتنعنا أنه يتعين علينا العمل مع العلمانيين للتنافس ضد أي نوع من الأصولية سواء على أساس الإسلام أو على أساس العلمانية".

    واعتبر الغنوشي أن مصطلح "إسلامي" بات الآن تسمية غير دقيقة، ذلك أنّه يضع تحت مظلة واحدة الذين يرفضون العنف مع المرتبطين بالإرهاب، وفق تعبيره. وأضاف: "هذا المصطلح يستخدم للخلط والالتباس".

    وأكد الغنوشي أنّ: "نجاح الديمقراطية في تونس ليس فقط في مصلحة تونس ولكن لمصلحة العالم، لأنه مثال على التوافق بين الإسلام والديمقراطية وهو أفضل طريقة لمحاربة التفسيرات المتطرفة والتفسيرات العنيفة".

    وأقر الغنوشي بأن حزب حركة النهضة يتحمل بعض المسؤولية عن التأخر في معالجة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وقال: "نتحمل المسؤولية بما يتناسب مع حجمنا في الحكومة". وأضاف: "ليس هناك شك في أن خبرتنا في الحكم كانت ضعيفة. ولكن ليس هناك شك في أننا تعلمنا الكثير من تجربتنا، أيضا".

  • 03 مارس 2021 10:44

    كلمة الأستاذ راشد الغنوشي في مسيرة الثبات والدفاع عن المؤسسات

    بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين. أيتها المواطنات والمواطنين نفتتح هذا اللقاء الجماهيري في هذا الشارع الكبير، الشارع...

    بقية الخبر Lire suite

    بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين. أيتها المواطنات والمواطنين

    نفتتح هذا اللقاء الجماهيري في هذا الشارع الكبير، الشارع العظيم. من يرى منكم نهاية الناس في الشارع فليبلغني، أنا لا أرى النهاية.

    هذا الشعب لا نهاية لأعماله لا نهاية لمعجزاته لا نهاية لبطولاته وإبداعاته.

    هذا شعب الثورة، الثورة تقول ها نحن هنا الثورة لم تغب عن تونس. الثورة حية ترزق خدّامة لم ترقد. ولذلك نحن نشكر هذه الجموع الغفيرة التي قدمت من كل فج عميق من أقصى تونس الحبيبة، من كل المدن ومن كل القرى كلهم جاؤوا ليقولوا نحن هنا نحن الثورة نحن الديمقراطية نحن الوحدة الوطنية.

    الشعب يريد الحوار الشعب، الشعب يريد الحوار الشعب، يريد المحبة بين التونسيين. الشعب يريد التعاون بين التونسيين. الشعب لا يحبّ الفوضوية ولا يحبّ الشعبوية، وإنما يحب الديمقراطية.

    وقبل أن نمضي في هذا اللقاء، نريد أن نحيي شهداء الأمن الرئاسي وصورهم أمامنا هنا، هم الذين فدوا تونس في مواجهة الإرهاب نحيي الأمن الرئاسي ونلقي التحية على أبنائهم وآبائهم وأمّهاتهم وقد كانوا يحرسوننا. كانوا معنا نترحم عليهم. ونترحم على شهداء الجيش وشهداء الأمن، وشهداء الحركة الوطنية وشهداء كل الحركات المناضلة.

    هذه المسيرة العظيمة ستكون تاريخا، تضيف تاريخا آخر إلى مسيرات الثورة العظيمة. نحن امتداد لتلك المسيرات التي أطاحت بالطغيان والجبروت وحررت الشعب التونسي من الظلم، وأقرّت البرلمان، وأقرّت الدستور، وأقرّت حرية التعبير وحقوق الإنسان.

    نترحم على شهداء الثورة ونرجو أن ينتصر الثوّار وأن تنتصر الثورة. ولذلك نحن التقينا هنا لا من أجل حزب من الأحزاب، ولا من أجل فئة من الفئات، هذا الشارع هو شارع تونسي، وعندنا شارع واحد وليس 20 شارعا.

    لا يوجد عندنا شارع بيروت الغربية وبيروت الشرقية. عندنا الشارع التونسي وعندنا دولة تونسية واحدة ودستور واحد وقانون واحد والقلوب كلها تخفق بحبّ تونس العزيزة.

    هنا شارع محمد الخامس، وهناك شارع فيه مجموعة من حزب العمال الذي يترأسه أخونا حمة الهمامي. كنّا نتمنّى أن يلتحق بنا ونحن مستعدّون أن نمنحه الكلمة ليخاطب الجماهير. ونحن نذكره أنّه في أكتوبر 2005 كنا نتحاور معا ديمقراطيين وإسلاميين وشيوعيين وقوميين، ما الذي يفرق بيننا، فتونس واحدة. ولذلك لا بد أن تعود الوحدة الوطنية والحوار الوطني، ونكفّ عن الإقصاء والافتراء هذا شعب واحد. لا يوجد شعب موحد في العالم العربي مثل هذا الشعب، ولذلك أقول لا تقسّمونا.

    لقد تعلمنا منذ مرحلة الابتدائي أنّ في الحساب هناك العمليات الأربع، الضرب والقسمة والطرح والجمع، ونحن محتاجون لعملية واحدة في السياسة هي عملية الجمع، وأمّا الضرب فهو ضرب هذا بذاك، وأمّا الطرح فهو الإقصاء، وأمّا القسمة فلا تصلح، فلا تقسّمونا.

    الشعب يريد الحرية كاملة غير ناقصة والديمقراطية والبرلمان الشعب يريد الرئاسة الشعب يريد الحكومة نحن نريد التعاون بين كل مؤسسات الدولة لأنّها دولة واحدة. الشعب يريد التشغيل والعدالة الاجتماعية، الشعب يريد العدالة الانتقالية، ولذلك جئنا اليوم لنقول إنّ الثورة مستمرّة شغالة وفعّالة وأنّها محافظون على الدستور وأنّها مستعدون أن نفدي تونس والثورة والديمقراطية وحقوق من يخاصمنا. والذين يخاصموننا نبعث إليهم بباقة ورد نحن ننادي إلى حوار وطني، فهو ما ينقص تونس اليوم، ومشاكلنا كلها لا تحلّ إلاّ بالحوار، ولا تحلّ بالقمع، وقد جرّب المخلوع أسلوب القمع ولم يفلح، غفر الله له، على كلّ حال، ليست لنا أحقاد على أحد، وإنّما نريد أن يكون التونسيون إخوة، وقد قال ربّنا: "يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم". ولذلك هذه الجموع جاءت من كل فج عميق لتتعارف للنضال من أجل تونس ومن أجل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ومحبة كلّ التونسيين. نحن مشروع محبّة.

    هذه البلاد مرهقة بالكراهية، تونسيون يشحنون بعضهم ضد بعض بالحقد. لكنّ الحقد يحرق أصحابه ويحرق كلّ شيء، ولذلك الحقد نار وشيطان، أحبّوا التونسيين، وليحبّ بعضكم بعضا لأنّ ذلك هو الطريق الذي يبني الحضارة، وتونس فيها حضارات متراكمة منذ آلاف السنين، كلّها بُنيت بالمحبّة وبنيت بالتعاون وبالأخوة وليس بالحقد والكراهية.

    نحن رسالة محبّة إلى كل التونسيين. فبلادنا تركها جدودنا على دين واحد ومذهب واحد، لماذا نفرق بين التونسيين. هذه البلاد تتسع لجميع التونسيين، باخرة تستطيع حمل جميع التونسيين. ولكن ما يجري الآن، هو أنّ البعض يتصيّد أن يغفو الآخر فيقذف به في اليم. هذا لا ينفع التونسيين، وما ينفعهم هو: إنّما المؤمنون إخوة.

    التونسيون مختلفون، إسلاميين وعلمانيين وشيوعيّين وقوميين، هؤلاء كلهم لهم مكان في الباخرة، نحن اعترفنا بهم، وهم ما زالوا. ما زال هناك في تونس من يفكّر تونس دون الحزب الفلاني أو الحزب الفلاني، ونحن نقول تونس للجميع، كلهم لهم مكان، حتى نصل شاطئ السلامة.

    ولذلك ننادي من هذا الشارع العظيم وسط عشرات الآلاف، ربّنا لا تجعل بيننا شقيّا ولا محروما، واجعلنا جميعا وطنيّين أحرارا، ولسنا غدّارين ولا فرّارين. ننادي كلّ الأحزاب إلى الحوار، الأستاذ المغزاوي والأستاذ غازي الشواشي، وننادي الأستاذ الشابي وننادي الدكتور بن جعفر، وننادي حمة الهمامي وننادي كل القوى السياسية إلى التحاور، وأن تترك جانبا الإقصاء فهو مدمرّ ولا يفيد.

    قال الله تعالى على لسان النبيّ شعيب: "إنْ أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلاّ بالله، عليه توكلت وإليه أُنيب". نحن نريد الإصلاح. أمّا شحن القلوب بالحقد فلا يفيد، وتونس إمّا أن نسعد فيها جميعا أو نشقى فيها جميعا. والذي يسعدنا هو المحبّة والتعاون والديمقراطية. انزعوا الأحقاد من القلوب واملؤوا القلوب بالمحبة والتعاون وحبّ الخير للجميع. لا تتمنوا الشرّ لأحد.

    بلادنا تحتاج الإصلاح لأنّ هناك عدة أشياء فاسدة، في بلادنا عاطلون عن العمل ومن لا يجد الدواء ومن ليست لهم مساكن. وفي بلادنا أناس مظلومون في مناطق وجهات مظلومة.. هذه كلّها تحتاج لإصلاح.

    من سيصلحنا نحن إذا لم نصلح أنفسنا. الإصلاح يجب أن يبدأ من فوق ومن كل موقع. وبلادنا تحتاج إلى إصلاح أخلاقي وإلى إصلاح ديني وإصلاح سياسي، وأن يتحاور السياسيون ولا تضيق قلوبهم. والشاعر العربي يقول:

    "لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها..... ولكنّ قلوب الرجال تضيق"، وحتى قلوب بعض النساء أيضا.

    لا بدّ من إصلاح السياسة. الآن عدة رؤساء أحزاب لا يكلمون بعضهم وبعضا وكذلك رؤساء لا يكلّمون بعضهم. فكيف سينصلح أمر البلاد. ولذلك يجب أن يبدأ الإصلاح من فوق ومن كل مكان، بالإعلام وبالرؤساء ورؤساء الأحزاب، ومسؤولي السلط. يجب أن يكون هناك حوار يتلوه حوار لحلّ مشاكلنا. لأنّ البديل عن الحوار هو التحارب. والحرب تبدأ بالكلام. ولذلك لا للحرب الكلامية ولا للحرب الإعلامية ولا لشيطنة التونسي للتونسي. ويكفي من شيطنة الإعلام وشيطنة السياسيين وشيطنة رجال الأعمال. نحن نريد لرجال الأعمال أن يشغلوا الناس وليس أن نغلق أعمالهم.

    نحن في أزمة اقتصادية، وقد تصل إلى مدى لا يتمناه أحد. ونحن في تاريخنا جاءنا الاستعمار من باب الاقتصاد أي باب التداين. ونحن الآن نغرق في الديون، ننفق أكثر من مدخولنا، سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الأسرة وعلى مستوى الدولة.

    يجب أن نجدّد من ثقافة العمل لأنّ العمل عبادة في الإسلام. ولا بدّ من خطة لإنقاذ اقتصادنا.

    تونس لها مستقبل واتجاه الريح بصدد التغيّر، فسنة 2013 كان اتجاه الريح ضدّ الديمقراطية، أمّا اليوم فاتجاه الريح نحو الديمقراطية. والحركات الشعبوية التي انطلقت مع ترامب، ليس لها مستقبل مع سقوطه، والمستقبل للديمقراطية لأنّها طريق التنمية، ولذلك تونس لها مستقبل إذا عرقنا واجتهدنا وتعاونّا ولم نخبش وجوه بعضنا. وإنشاء الله نلتقي المرة القادمة ولنا محكمة دستورية وقانون انتخابي.

    لا نريد ذهاب أحد، نريد أن يبقى الرئيس قائما بدوره في قرطاج والمشيشي قائما بدوره في القصبة، والبرلمان قائما بدوره في باردو. وسيكون المستقبل للديمقراطية التونسية إذا تحلينا بالصبر. فالديمقراطية إذا ترسخت ستنتج ازدهارا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. لا توجد في العالم ديمقراطية فقيرة، والتونسيون على السكة الصحيحة. والعالم لا يزال معجبا بالتجربة التونسية، وعلاقتنا بجوارنا الغربي والأوروبي جيّدة.، وهناك دعم للتجربة التونسية، فهي مدعومة غربيا ومدعومة خليجيا، ومدعومة من العالم كلّه إلاّ من استثنى نفسه وهم قلّة.

  • 20 فيفري 2021 23:46

    ملخص حوار الأستاذ راشد الغنوشي لصحيفة Usa today الأمريكية

    قال الأستاذ راشد الغنوشي، رئيس مجلس نواب الشعب، في مقال رأي، نشرته صحيفة Usa today الأمريكية، اليوم 20 فيفري 2021، إنّ تونس بدأت منذ عشر سنوات "عملية...

    بقية الخبر Lire suite

    قال الأستاذ راشد الغنوشي، رئيس مجلس نواب الشعب، في مقال رأي، نشرته صحيفة Usa today الأمريكية، اليوم 20 فيفري 2021، إنّ تونس بدأت منذ عشر سنوات "عملية انتقال رائدة ولكنها صعبة من النظام الاستبدادي إلى الديمقراطية". وقد أصبحت بذلك "منارة أمل للذين يؤمنون بديمقراطية عربية، وإجراء انتخابات سلمية، وإقامة مؤسسات ديمقراطية، وإحداث تغيير اجتماعي حقيقي".

    وتطرق الأستاذ راشد الغنوشي إلى ما تشهده الساحة التونسية من تحديات، ومنها "صعود حركات تستحضر الحنين إلى النظام القديم وتسعى إلى العودة إلى الماضي الاستبدادي لحكم الرجل الواحد بدلاً من التعددية والنظام الديمقراطي". وقال الغنوشي إنّ ذلك ظاهرة يشهدها جزء كبير من عالمنا اليوم، بما في ذلك الولايات المتحدة. ويستفيد الشعبويون من فترات الأزمة الاقتصادية والاضطراب الاجتماعي. وتقوم سردياتهم الإقناعية الخطيرة على تقسيم الناس وفق ثنائية بين مجموعة متجانسة فاضلة من الناس ضد "آخر" مذموم، سواء كان ذلك من النخب أو الأقليات أو أي وجهة نظر بديلة.

    وذكر أنّ الحالة الشعبوية في تونس، اتخذت طريق مهاجمة المؤسسات الديمقراطية والمسؤولين المنتخبين والأحزاب السياسية، وتعطيل عملهم، وتغذية الفكرة القائلة بأنه يمكن معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية المعقدة والعميقة الجذور من خلال العودة إلى حكم الرجل القوي "الأكثر فعالية"، أو تنصيب "ديكتاتور".

    واعتبر أنّه من الطبيعي أن تعقب أي ثورة حركات وخطابات معادية للثورة تسعى للحفاظ على امتيازاتها ومصالحها وإعاقة أي تقدم يتم إحرازه. وأكّد الغنوشي أن "الحنين إلى النظام الماضي هو سمة مشتركة عند جميع التحولات".

    وأقرّ بأنّ الاضطرابات التي شهدتها بعض المدن التونسية مؤخرا، سلطت الضوء على حجم ما لا يزال يتعين القيام به. وأكد أنّه "بعد عقود من الدكتاتورية وعدم المساواة والفساد، يحتاج الاقتصاد التونسي إلى إصلاحات عميقة الجذور".

    وتابع "يشعر الشعب التونسي بالإحباط من التقدم البطيء للإصلاح الاقتصادي منذ عام 2011 ولم يرَ بعد الوظائف ومستويات المعيشة الأفضل التي يتوقعها بحق. لم يواكب تقدمنا ​​توقعات الناس. ألهمت الثورة توقعات ضخمة بيننا جميعًا، مع القليل من الوعي بمدى تعقيد التغيير. وإذا نظرنا إلى الوراء إلى التحولات الحديثة الأخرى منذ وقت ليس ببعيد ، مثل تلك الموجودة في أوروبا الشرقية، يمكننا أن نرى أن الأمر يستغرق عدة عقود لرؤية الفوائد من الإصلاحات الصعبة. ومع ذلك، يمكننا أن نفخر بالإنجازات الرائعة التي حققتها تونس في السنوات العشر الماضية. لقد أنشأنا مؤسسات ديمقراطية جديدة، وقمنا بحل النزاعات سلميا، ووضعنا ثقافة الإدماج السياسي، وأدخلنا حماية لحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، وسيادة القانون، ووضعنا معايير جديدة لمساءلة الدولة وشفافيتها. حققت تونس تقدمًا غير مسبوق، مما جعلها من بين أسرع التحولات الديمقراطية في التاريخ. وهذا أكثر جاذبية بالنظر إلى أن التحولات السابقة، مثل أوروبا الشرقية، حدثت في مناخ إقليمي وعالمي أكثر ملاءمة للديمقراطية والنمو الاقتصادي مما واجهته تونس".

    وتحدث عن المخلفات السلبية لأزمة انتشار فيروس كورونا، على بعض القطاعات الاقتصادية، وتعميق أزمة البطالة، وتراجع النمو الاقتصادي، وهو ما جعل جهود الحكومة متجهة نحو تحقيق توازن جيد بين حماية حياة التونسيين والحفاظ على سبل عيشهم.

    وقال إنّ الحل هو في "حكومة مستقرة تحظى بدعم أكبر عدد ممكن من الأحزاب السياسية والشركاء الاجتماعيين لديها أفضل فرصة لسنّ إصلاحات مؤجلة ولكنها ضرورية".

    ويرى رئيس مجلس نواب الشعب أن المطلوب بشكل عاجل "هو، مرة أخرى، تبني القيم التي نالت تونس جائزة نوبل للسلام في عام 2015، وذلك عبر إدارة الحوار بين الأحزاب السياسية والنقابات العمالية وأصحاب الأعمال والمجتمع المدني حول رؤية اقتصادية مشتركة للبلاد". كما يجب التوصل إلى اتفاق حول إصلاح النظام الانتخابي لتمكين ظهور الأغلبية التي يمكن أن توفر حكومة مستقرة وخاضعة لمساءلة للشعب، وفق تعبير الغنوشي.

    وشدّد على أنّ حزمة الإصلاحات في تونس لا تستطيع أن تنجزها بمفردها.. "إنها بحاجة إلى دعم من شركائها الدوليين الذين يؤمنون بالديمقراطية. ويجب ألا تؤدي صعوبات تحولنا الديمقراطي إلى فقدان الثقة في ديمقراطية تونس. لقد عبرنا منطقة مجهولة في منطقتنا، في مواجهة التحديات الإقليمية والبيئة العالمية غير المواتية والمتقلبة. وتحتاج تونس إلى الدعم لأن نجاحها سيرسل رسالة إلى جميع الدول مفادها أن الديمقراطية يمكن أن تسود وهي، كما نعتقد، أفضل نظام حكم لتوفير الحرية والكرامة للجميع".

    وتابع "إن استمرار الدعم والإيمان بانتقال تونس إلى ديمقراطية قوية ومستقرة ليس فقط في مصلحة التونسيين ولكن لجميع جيراننا وشركائنا. والدعم اللازمين، ستتحقق ثمار الديمقراطية التي كان التونسيون ينتظرونها".

  • 17 فيفري 2021 17:14

    ملخص حوار رئيس كتلة حركة النهضة في قناة العالم الفضائية

    لأول مرة في تاريخ مجلس نواب الشعب أن رئيسة كتلة تتعمد الدخول لقاعة الجلسات من أجل إفساد الجلسة العامة وإيقافها ولا غرابة فيما تتصرف به عبير موسي...

    بقية الخبر Lire suite

    لأول مرة في تاريخ مجلس نواب الشعب أن رئيسة كتلة تتعمد الدخول لقاعة الجلسات من أجل إفساد الجلسة العامة وإيقافها ولا غرابة فيما تتصرف به عبير موسي باعتبار أن حزبها وكتلتها ليس لها من عمل ولا من هدف سوى ترذيل مجلس نواب الشعب باعتباره منتوج للثورة التونسية.

    هذه سيدة لا تؤمن بالديمقراطية ولم يشهد لها في تاريخها محطة من محطات النضال من اجل الديمقراطية بل هي وريثة أسوأ ما هناك في منظومة الحكم القديمة, النظام التسلطي الاستبدادي الدكتاتوري وهي مازالت لحد هذه اللحظة بعد عشر سنوات من الثورة تحن إلى النظام لذلك هي ترى في كل رموز الثورة والديمقراطية الحديثة في تونس, عدوا لذلك جهدها منصب على العداء لرئاسة المجلس وآخر ما تفتقت به قريحتها ووسائل عملها هي أن تدخل قاعة الجلسات العامة بأبواق وتعمل على تعطيل الجلسة وتكيل إلى زملائها بالسب والشتيمة وخاصة إلى رئيسة الجلسة السيدة سمير الشواشي النائب الأول لرئيس المجلس وتعمدت الصراخ بالأبواق هي وزميلها في وجه وأذني مقرر لجنة المالية زميلنا من كتلة حركة النهضة السيد فيصل دربال مما تسبب له في نوبة حادة وهي كلها جرائم متعددة تقترفها كتلة ليس لها من خطاب في تونس الحديثة سوى رفض التنوع وخطاب الفاشية الإقصائي الاستئصالي الذي ترثه عن النظام النوفمبري البغيض .

    هذه السيدة مازالت تعيش في فترة ما قبل الثورة ومازالت تحلم سوى بالعودة للزعيم الواحد والرأي الواحد والحزب الواحد وهي تتصرف في كتلتها وفي مدعى "حزبها" لأنها لحد الآن لم تري الشعب التونسي الهياكل الموجودة في حزبها لا نرى لا مكتب سياسي ولا مجلس وطني يمثل الحزب فهي الآمرة و "الفاطقة الناطقة" كما يقول التونسيون في عدد من النواب تأخذ وقتهم في الجلسة العامة كاملا ولا تسمح بأن تعطيهم حقهم في التدخل وتتصرف كزعيمة فاشية وكقائدة لمجموعة تأتمر بأوامرها.

    راشد الغنوشي لم يأت لرئاسة المجلس بظهر دبابة, هو رئيس منتخب من قبل زملائه في مجلس نواب الشعب وأغلبية أتت به في ذلك الكرسي والعرائض واللوائح إذا كانت في إطار العمل داخل مجلس نواب الشعب فهي آليات يمكن أن يستخدمها الزملاء ولكن الإصرار في أن المعركة الوحيدة داخل المجلس في كل المحطات هي إسقاط راشد الغنوشي نعتبر أن هذا فيه نوع من الغلو الإيديولوجي وعدم القبول بالآخر وعدم الرضا بنتائج الانتخابات التي أفرزت حزب له كتلة أولى داخل البرلمان.

    راشد الغنوشي هو رئيس لكل النواب وخصومه الإيديولوجيون الذين لم يتخلصوا من منطق العقائد ولم يتقبلوا أن يكوا من منطق العقائد ولم يتقبلوا أن يكوا من منطق العقائد ولم يتقبلوا أن يكوا من منطق العقائد ولم يتقبلوا أن يكوا من منطق العقائد ولم يتقبلوا أن يكوا من منطق العقائد ولم يتقبلوا أن يكوا من منطق العقائد ولم يتقبلوا أن يكوا من منطق العقائد.

    هناك الآن في تونس جدل حول النظام السياسي وحول الاستقرار السياسي والحكومي, يعضهم يعد ذلك بسبب إخلالات في النظام السياسي وأنا شخصيا أرى أن المشكل الحقيقي هو النظام الانتخابي.

    نظام البواقي تم اعتماده في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011 حتى لا يهيمن حزب واحد على كتابة الدستور ونضمن وجود عنصر التنوع ولكن هذا النظام استصحبناه في المراحل التي تعني الحكم في انتخابات 2014 و 2019 وما أفرزه هذا النظام الانتخابي هو التشتت داخل البرلمان وأن الحزب الفائز في أي انتخابات لا يمكن أن يدير أوضاع البلاد.

    الأغلبية لا يمكن لها أن تتغول لأنها محكومة بالنظام السياسي الديمقراطي.

    اليوم وصلنا إلى وضعية تعليق مهام الوزراء الذين منحهم المجلس ثقته, بسبب عدم وجود المحكمة الدستورية ولأن هناك خلاف في تفهم الصلاحيات لكل مؤسسة, رئاسة الجمهورية في هذه المسالة بالذات صلاحياتها مقيدة وفقهاء القانون الدستوري ذكروا أن أداء القسم طبقا لمقتضيات الدستور هو صلاحية مقيدة لرئاسة الجمهورية وأقرب للواجب منه للحق.

    كل الحكومات السابقة التي أجرت تعديلات سواء حكومة الحبيب الصيد أو يوسف الشاهد مرت على البرلمان باعتبارها المؤسسة التي تمنح الثقة وهي تعزز فكرة الشرعية بالنسبة للوزراء الذين لا يمكن لهم أن يؤدوا مهامهم إلا من خلال منح الثقة من مجلس نواب الشعب.

    طلبات حل البرلمان هي طلبات فوضوية وطوباوية ولا أحد يمكنه التكلم باسم الشعب.

    جماهير شعبنا هي مع الخيار الديمقراطي ومع الشرعية التي يمثلها هذا المجلس والذين سقطوا في الانتخابات الفارطة 2019 والذين أثبت الشارع التونسي أنهم لا يمثلون هذا الشارع بخطابهم الغوغائي الفوضوي الذي لا يمت بصلة لأبناء شعبنا هؤلاء الذين يستميتون اليوم ويطالبون بحل البرلمان ربما من أجل أن تكون لهم فرصة جديدة ولكن الأمور في الدولة لا تدار بالعبث والهوى ولا بالتمني.

مرئيات

المزيد